نتنياهو يستعجل المكاسب: آن أوان الانتخابات

نتنياهو يستعجل المكاسب: آن أوان الانتخابات
اسرائيليات

متابعة/ الاستقلال

عندما سُئل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في مؤتمر صحافي في أوْج الحرب، عمّا إذا كان سيترك منصبه ويدعو إلى انتخابات مبكرة كنوع من «المحاسبة»، رفض الإجابة مباشرةً، وقال إن «الانتخابات ستأتي في موعدها (…) نحن في خضمّ حرب»، معتبراً أن الحديث عن «تغييرات الآن» سابق لأوانه. لكن «الآن، وقد وضعت الحرب أوزارها، ستبدأ المعركة السياسية الداخلية حول من يقود إسرائيل في المرحلة القادمة»، وفق ما علّقت به صحيفة «إسرائيل هيوم» على احتدام النقاشات في هذا الشأن، عقب تصويت «الكنيست» الإسرائيلي، فجر أمس، على وقف إطلاق النار.

ويبرز، من بين السيناريوات المحتملة التي تناولتها وسائل الإعلام العبرية، خيار اللجوء إلى الانتخابات المبكرة كـ«احتمال قوي»، ولا سيّما في ضوء استطلاع للرأي أوردت نتائجه صحيفة «معاريف»، وأجراه «معهد لازار للأبحاث»، أظهر تأييد 48% من الإسرائيليين لإجراء انتخابات «بعد إتمام الصفقة وعودة الرهائن»، مقابل 39% عارضوا إجراءها، وعكسوا «رغبة واسعة» في تغيير سياسي.

كما تناول الاستطلاع المُشار إليه المقاعد المتوقَّعة لكل حزب، في حال إجراء الانتخابات. وسجّل «حزب الليكود» بزعامة نتنياهو تحسّناً طفيفاً، بعدما ارتفعت مقاعده من 25 (بحسب استطلاع رأي أُجري الأسبوع الماضي) إلى 27. ومن جهته، تراجع حزب «عوتسما يهوديت» اليميني بزعامة إيتمار بن غفير، المعارض للصفقة، من 9 إلى 6 مقاعد، فيما حافظ حزب «الصهيونية الدينية» بزعامة وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، على النسبة نفسها التي سجّلها الأسبوع الماضي، وهي 2.3% من نوايا التصويت، أي أقل من 3.25% (نسبة الحسم)، وهو ما لا يتيح له أي تمثيل في «الكنيست».

ورغم انسحاب الأحزاب الحليفة لنتنياهو من التيار الحريدي، أي حزبَي «شاس» و«يهدوت هتوراه» من الائتلاف الحكومي احتجاجاً على عدم تمرير قانون إعفاء طلاب المدارس الدينية من الخدمة العسكرية، حافظ الحزبان على 8 و7 مقاعد على التوالي. وبذلك، يبلغ مجموع مقاعد كتلة نتنياهو المحتملة، 48 مقعداً، أي أقل بـ13 مقعداً من الأغلبية اللازمة لتشكيل حكومة.

على أن سيناريو الانتخابات المبكرة تدعمه أيضاً إمكانية فقدان كتلة المعارضة «أغلبيتها المحتملة» لتشكيل حكومة بديلة؛ إذ حصلت هذه الكتلة، وفقاً للاستطلاع، على 57 مقعداً (أقل بـ4 مقاعد من الأغلبية اللازمة). وكان زعماء المعارضة الستة أعلنوا توفير ما سمّوه «شبكة أمان» للصفقة خلال التصويت عليها في «الكنيست»، بعدما كانوا أكّدوا، في بيان مشترك عقب اجتماعهم الأربعاء الماضي، أنهم ناقشوا «تنسيق التحركات لإسقاط الحكومة في وقت مبكر». وأبدى زعيم المعارضة، يائير لابيد، استعداده لدعم الحكومة مؤقّتاً لمنع انهيارها خلال تنفيذ بنود وقف إطلاق النار، بشرط أن يوافق نتنياهو على تحديد موعد انتخابات مبكرة مُتفق عليه.

ويعكس هذا الموقف «حرص» المعارضة على عدم إفشال الصفقة، لكنه يجلي تمسّكها بمحاسبة الحكومة على أحداث الحرب وإخفاقات السابع من تشرين الأول 2023، بعدما دأبت المعارضة، خلال فترة الحرب، على توجيه الاتهامات إلى نتنياهو بأنه تجاهل الدعوات إلى تحمّل المسؤولية والاستقالة، وأطال أمد القتال للبقاء في السلطة. وبحسب الاستطلاع، فقد ارتفعت شعبية لابيد إلى 10 مقاعد بدلاً من 7، في حين حصل نفتالي بينيت الذي سجّل حزبه الجديد تحت اسم «بينيت 2026»، على 19 مقعداً فقط، بانخفاض من 22، وهو ما عزته الصحيفة إلى «صمته» حيال صفقة غزة.

وبدورهما، حصل الحزبان المعارضان «الديمقراطيون» بزعامة الجنرال السابق يائير غولان، و«إسرائيل بيتنا» بزعامة أفيغدور ليبرمان، على 10 مقاعد لكل منهما، من دون تغيير عن الأسبوع الماضي. أما حزب «أزرق أبيض» بزعامة بيني غانتس، فلم يتجاوز عتبة الدخول إلى الكنيست؛ إذ تراجع تأييده من 3% إلى 2.3%، في حين حصل الجنرال السابق غادي آيزنكوت، الذي انشقّ عن حزب غانتس واستقال من «الكنيست»، على 8 مقاعد لحزبه الجديد «يشير».

وفي ضوء ذلك، يبدو أن نتنياهو يسعى إلى استثمار «الزخم الشعبي المحيط بصفقة الأسرى» من أجل تعزيز وضعه السياسي. ومما يدعم هذا التقدير حديث «معاريف»، نقلاً عن مصدر رفيع في «الليكود»، أن التحضيرات الداخلية في الحزب «بدأت بالفعل بشكل سرّي ومتكتّم»، «استعداداً لتقديم موعد الانتخابات الوطنية»، في وقت تواصل فيه نتنياهو مع رئيس اللجنة المركزية لـ«الليكود» ووزير الرفاه حاييم كاتس، طالباً دعوة الهيئة المركزية للحزب إلى الانعقاد من أجل الموافقة على إجراء انتخابات عاجلة على زعامة «الليكود» خلال الأسابيع المقبلة، وتحديد كيفية تفعيل اللجنة المركزية وهيئات الانتخابات الداخلية ضمن «فترة زمنية قصيرة جداً».

أما السيناريو الثاني المطروح، فهو تشكيل ائتلاف حكومي بديل ضمن «الكنيست» الحالي من دون الذهاب إلى انتخابات مبكرة، وهو «أمر مُستبعد»؛ إذ على الرغم من أن القانون الإسرائيلي يتيح للمعارضة تقديم اقتراح حجب الثقة عن الحكومة، وتعيين رئيس حكومة جديد، إلا أن ذلك يتطلّب حصولها على أغلبية 61 صوتاً، وتقديمها «زعيماً توافقياً»؛ وهما أمران لا تملكهما. ومن شأن ما تقدّم، أن يجعل أي حكومة بديلة رهينة لمشاركة أحزاب يمينية أو حريدية من ائتلاف نتنياهو، وهو ما وصفه مصدر في الائتلاف، في حديثه إلى صحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، بأنه «ممكن نظرياً لكنه غير مرجّح»، نظراً إلى أنه على الرغم من غضب الأحزاب الحريدية من نتنياهو (بسبب التجنيد)، غير أن هذه الأحزاب لا تبدو مستعدّة للتحالف مع المعارضة.

وفي هذا السياق، نقلت صحيفة «هآرتس» عن مصدر في «شاس» أنه إذا لم يُحلّ موضوع إعفاء طلبة المعاهد الدينية مع استئناف «الكنيست» جلساته، فسيدفع ذلك الحريديم نحو «حلّ الكنيست بالتنسيق» مع نتنياهو. ومع أن بعض شخصيات اليمين المعتدل (مثل غانتس، أو حتى أعضاء من «الليكود»، من مثل يوآف غالانت أو يولي إدلشتاين) طُرحت أسماؤها في الإعلام العبري كبدائل ممكنة لنتنياهو ضمن «حكومة وحدة»، فإن هذا يستلزم إمّا استقالة طوعية لنتنياهو أو تمرّداً داخلياً في حزبه لإزاحته، وكلا الأمرين «غير منظوريْن» حالياً، وفقاً للتحليلات.

وبما أن سيناريو الحكومة البديلة صعب التحقيق راهناً، يبرز السيناريو الثالث، وهو استمرار حكومة نتنياهو الحالية - ما لم يصوّت «الكنيست» على حلّ نفسه أو نزع الثقة منها -، التي ستكون والحال هذه «تحت رحمة» كل تصويت في «الكنيست»، ولن تستطيع تمرير تشريعات أساسية بمفردها.

وعلى هذه الخلفية، قد يحاول نتنياهو إعادة الحلفاء المنسحبين ليستعيد أغلبيته من جديد، وهو الأمر الذي ذهبت إليه تقارير أفادت بأن رئيس الحكومة يبحث عن مخرج لأزمة قانون تجنيد الحريديم لإرضاء حزبَيْ «شاس» و«يهدوت هتوراه» بهدف إعادتهما للحكومة. وفي السياق نفسه، ترى التحليلات أنه من مصلحة حزبَيْ بن غفير وسموتريتش حالياً «التمسك» بنتنياهو، رغم معارضتهما وقف إطلاق النار، ولا سيما أنهما يخشيان من خسارة مقاعدهما إذا جرت انتخابات مبكرة.

مع هذا، فإن استمرار الحكومة حتى عام 2026 ليس مضموناً؛ إذ في حال تعثّر تنفيذ المرحلة الثانية من تنفيذ «خطة ترامب»، قد يعود الالتفاف الداخلي حول نتنياهو باعتباره «رئيس وزراء الحرب» وتتجمّد الخلافات الائتلافية مجدّداً. أمّا إذا ترسّخت تسوية أطول، فسيواجه نتنياهو وضع «ما بعد الحرب» الأصعب سياسياً.

وعلى أي حال، يبدو أن الرجل بدأ مبكراً الاستعداد لإمكانية اضطراره إلى إجراء الانتخابات بعد تفكّك ائتلافه، إذ ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن نتنياهو كثّف إثر انسحاب الأحزاب الحريدية من الحكومة والخلافات التي نشبت (آنذاك) بين بن غفير وسموتريتش، «اجتماعاته السياسية مع مقرّبيه لوضع خطط انتخابية»، وذلك بهدف «توحيد» صفوف معسكره اليميني قبيل أي انتخابات، ومنعاً لتضييع أصوات اليمين على قوائم متنافسة، في وقت بحث فيه أيضاً استقطاب أصوات من معسكر اليمين المعتدل المنافس (مثل ناخبي بينيت وليبرمان).

التعليقات : 0

إضافة تعليق